سورة النور - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله عزّ وجلّ: {في بيوت} أي ذلك المصباح يوقد في بيوت والمراد بالبيوت جميع المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض وقيل: المراد بالبيوت أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء أسس على التقوى وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً {أذن الله أن ترفع} أي تبنى وقيل: تعظم فلا يذكر فيها الخنى من القول وتطهر عن الأنجاس والأقذار {ويذكر فيها اسمه} قال ابن عباس يتلى فيها كتابه {ويسبح له فيها} أي يصلي له فيها {بالغدو والآصال} بالغداة والعشي قال أهل التفسير: أراد به الصلاة المفروضة فالتي تؤدّى بالغداة صلاة الفجر والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين، لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت كله وقيل: أراد به الصبح والعصر. عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة البردين دخل الجنة أراد بالبردين صلاة الصبح، وصلاة العصر» وقال ابن عباس: التسبيح بالغدو صلاة الضحى والآصال صلاة العصر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم «من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة كان أجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى المسجد إلى تسبيح الضحى لا يعنيه إلا ذاك كان أجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» أخرجه أبو داود.


{رجال} قيل خص الرجال بالذكر في هذه المساجد، لأن النساء ليس عليهن حضور المساجد لجمعة ولا جماعة {لا تلهيهم} أي لا تشغلهم {تجارة} وقيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل الإنسان به عن الصلوات، والطاعات وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً، لأنه ذكر البيع بعده وقيل التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يده {ولا بيع} أي ولا يشغلهم بيع {عن ذكر الله} أي حضور المساجد لإقامة الصلوات {وإقام الصلاة} يعني إقامة الصلاة في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وروي عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المساجد فقال ابن عمر فيهم نزلت هذه الآية: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} {وإيتاء الزكاة} يعني المفروضة قال ابن عباس إذا حضر، وقت أداء الزكاة لا يحبسونها {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} يعني أن هؤلاء الرجال، وإن بالغوا في ذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلهم بأنهم ما عبد وا الله حق عبادته. قيل: إن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار. وقيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وترفع عن الأبصار الأغطية. وقيل: تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء فتخشى الهلاك وتطمع في النجاة، وتتقلب الأبصار من هول ذلك اليوم، من أي ناحية يؤخذ بهم أمن ذات اليمين، أم من ذات الشمال ومن أي يؤتون كتبهم أمن اليمين أم من قبل الشمال؟ وقيل: يتقلب القلب في الجوف، فيرفع إلى الحنجرة فلا ينزل ولا يخرج ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا} يعني أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا والمراد بالأحسن الحسنات كلها وهي الطاعات فرضها ونفلها، وذكر الأحسن تنبيهاً على أنه لا يجازيهم على مساوئ أعمالهم، بل يغفرها لهم وقيل: إنه سبحانه وتعالى يجزيهم جزاء أحسن من أعالمهم، على الواحد من عشرة إلى سبعمائة ضعف {ويزيدهم من فضله} يعني أنه سبحانه وتعالى يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك بل يزيدهم من فضله {والله يرزق من يشاء بغير حساب} فيه تنبيه على كمال قدرته وكمال جوده وسعة إحسانه وفضله. قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} لما ضرب مثلاً لحال المؤمن وأنه في الدنيا والآخرة في نور، وأنه فائز بالنعيم المقيم، أتبعه بضرب مثل لأعمال الكفار وشبهه بالسراب وهو شبه ماء يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يظنه من رآه ماء، فإذا قرب منه لم ير شيئاً.
والقيعة القاع وهو المنبسط من الأرض وفيه يكون السراب {يحسبه} أي يتوهمه {الظمآن} أي العطشان {ماء حتى إذا جاء} أي جاء ما قدر أنه ماء وقيل: جاء إلى موضع السراب {لم يجده شيئاً} أي لم يجده على ما قدره وظنه ووجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر من أعمال البر، يعتقد أنه له ثواباً عند الله وليس كذلك فإذا وافى عرصات القيامة لم يجد الثواب الذي كان يظنه، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم فعظمت حسرته، وتناهى غمه فشبه حاله بحال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب في البر تعلق قلبه به فإذا جاءه لم يجده شيئاً فكذلك حال الكافر يحسب أن عمله، نافعه فإذا احتاج إلى عمله لم يجده أغنى عنه شيئاً ولا نفعه {ووجد الله عنده} أي وجد الله بالمرصاد وقيل: قدم على الله {فوفاه حسابه} أي جزاء عمله {والله سريع الحساب} معناه أنه عالم بجميع المعلومات فلا تشغله محاسبة واحد عن واحد. ثم ضرب للكفار مثلاً آخر فقال تعالى: {أو كظلمات} أعلم الله سبحانه وتعالى أن أعمال الكفار إن كانت حسنة، فهي كسراب بقيعة وإن كانت قبيحة فهي كظلمات، وقيل: معناه إن مثل أعمالهم في فسادها، وجهالتهم فيها كظلمات {في بحر لجي} أي عميق كثير الماء ولجة البحر معظمه {يغشاه} أي يعلوه {موج من فوقه موج} أي متراكم {من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض} معناه أن البحر اللجي يكون قعره مظلماً جداً بسبب غموره الماء، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة فإذا كان فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى {إذا أخرج يده لم يكد يراها} أي لم يقرب أن يراها لشدة الظلمة وقيل: معناه لم يرها إلا بعد الجهد وقيل: لما كانت اليد من أقرب شيء يراه الإنسان قال: لم يكد يراها، ووجه التشبيه أن الله ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات: ظلمة البحر وظلمة الأمواج وظلمة السحاب، وكذلك الكافر له ثلاث ظلمات ظلمة الاعتقاد وظلمة القول وظلمة العمل وقيل: شبه بالبحر اللجي قلبه، وبالموج ما يتغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الختم والطبع على قلبه. قال أبيّ بن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلم كلامه ظلمة وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة في النار {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} قال ابن عباس من لم يجعل الله له ديناً وإيماناً، فلا دين له وقيل من لم يهده الله فلا هادي له قيل نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر وعاند، والأصح أن الآية عامة في حق جميع الكفار.


قوله عزّ وجلّ: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات} أي باسطات أجنحتهن في الهواء قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض، فتكون خارجة عن حكم من في السموات والأرض {كل قد علم صلاته وتسبيحه} قيل: الصلاة لبني آدم والتسبيح لسائر الخلق وقيل إن ضرب أجنحة الطير صلاته وتسبيحه، وقيل: معناه إن كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه وقيل معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه {والله عليم بما يفعلون ولله ملك السموات والأرض} أي إن جميع الموجودات ملكه وفي تصرفه وعنه نشأت ومنه بدأت فهو واجد الوجود وقيل معناه أن خزائن المطر والرزق بيده ولا يملكها أحد سواه {وإلى الله المصير} أي وإلى الله مرجع العباد بعد الموت. قوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي} أي يسوق {سحاباً} بأمره إلى حيث يشاء من أرضه وبلاده {ثم يؤلف بينه} أي يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض {ثم يجعله ركاماً} أي متراكماً بعضه فوق بعض {فترى الودق} أي المطر {يخرج من خلاله} أي من وسطه وهو مخارج القطر {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قيل معناه وينزل من جبال من السماء وتلك الجبال من برد. قال ابن عباس: أخبر الله أن في السماء جبالاً من برد وقيل معناه وينزل من السماء مقدار جبال في الكثرة من برد. فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة. قلت: من الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد {فيصيب به} أي البرد {من يشاء} فيهلكه وأمواله {ويصرفه عمن يشاء} أي فلا يضره {يكاد سنا برقه} أي ضوء برق السحاب {يذهب بالأبصار} أي من شدة ضوئه وبريقه {يقلب الله الليل والنهار} أي يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما فيأتي بالليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمن أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أن العرب كانوا يقولون عند النوازل والشدائد أصابنا الدهر ويذمونه في أشعارهم فقيل لهم: لا تسبوا الدهر فإن فاعل ذلك هو الله عز وجل والدهر مصرف تقع فيه التأثيرات كما تقع بكم، وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي الذي ذكر من هذه الأشياء {لعبرة لأولي الأبصار} أي دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده.
قوله عز وجل: {والله خلق كل دابة من ماء} أي من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن، لأنا لا نشاهدهم وقيل: إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحاً ونوراً فخلق منه الملائكة وجعل بعضه ناراً فخلق منه الجن، وجعل بعضه طيناً فخلق منه آدم {فمنهم من يمشي على بطنه} أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك {ومنهم من يمشي على رجلين} يعني مثل بني آدم والطير {ومنهم من يمشي على أربع} يعني كالبهائم والسباع. فإن قلت كيف قال: خلق كل دابة من ماء مع أن كثيراً من الحيوانات يتولد من غير نطفة. قلت ذلك المخلق من غير نطفة، لا بد أن يتكون من شيء، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء. فإن قلت: فمنهم من يمشي ضمير العقلاء، فلم يستعمل في غير العقلاء. قلت ذكر الله تعالى ما لا يعقل مع من يعقل لأن جعل الشريف أصلاً، والخسيس تبعاً أولى. فإن قلت: لم قدم ما يمشي على بطنه على غيره من المخلوقات. قلت قدم الأعجب، والأعرف في القدرة وهو الماشي بغير آلة المشي، وهي الأرجل والقوائم ثم ذكر ما يمشي على رجلين ثم ما يمشي على أربع. فإن قلت: لم اقتصر على ذكر الأربع وفي الحيوانات ما يمشي على أكثر من أربع، كالعناكب والعقارب والرتيلا وما له أربع وأربعون رجلاً ونحو ذلك. قلت هذا القسم كالنادر فكان ملحقاً بالأغلب وقيل: إن هذه الحيوانات اعتمادها على أربع في المشي والباقي تبع لها {يخلق الله ما يشاء} أي مما لا يعقل ولا يعلم {إن الله على كل شيء قدير} أي هو القادر على الكل العالم بالكل المطلع على الكل، يخلق ما يشاء كما يشاء لا يمنعه مانع ولا دافع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7